خطبة الجمعة للدكتور محمد حرز بعنوان : طلاقة القدرة الإلهية في العطاء والمنع
خطبة الجمعة القادمة بعنوان :طلاقة القدرة الإلهية في العطاء والمنع ، للدكتور محمد حرز ، بتاريخ 22 جمادي الأولي 1444هـ ، الموافق 16 ديسمبر 2022م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 16 ديسمبر 2022م بصيغة word بعنوان : طلاقة القدرة الإلهية في العطاء والمنع ، للدكتور محمد حرز.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 16 ديسمبر 2022م بصيغة pdf بعنوان : طلاقة القدرة الإلهية في العطاء والمنع ، للدكتور محمد حرز.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 16 ديسمبر 2022م بعنوان : طلاقة القدرة الإلهية في العطاء والمنع.
أولًا: اللهُ ربِّي لا أريدُ سواهُ .
ثانيــًــا : الدنيا عطاءٌ ومنعٌ وابتلاءٌ واختبارٌ .
ثالثـــًـا وأخيرًا: ويبقَى الأملُ مادامتْ الحياةُ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 16 ديسمبر 2022م بعنوان : طلاقة القدرة الإلهية في العطاء والمنع : كما يلي:
خطبةُ الجمعةِ القادمةِ: طلاقةُ القدرةِ الإلهيةِ في العطاءِ والمنعِ . د/ محمد حرز بتاريخ: 22جماد الأولى 1444هــ – 16 ديسمبر 2022م
الْحَمْدُ لِلَّهِ أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَأَشْكُرُهُ، وَأُثْنِي عَلَيْهِ وَأَسْتَغْفِرُهُ، الْحَمْدُ لِلَّهِ القائلِ في محكم التزييل((لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا((الطلاق:1، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وليُّ الصالحين، وَأشهدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وصفيُّهُ مِن خلقهِ وخليلُهُ، القائلُ كما في حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ) رَوَاهُ البخاري ، فاللهم صلِّ وسلمْ وزدْ وباركْ عليه وعلى آلِه وصحبِه وسلمْ تسليمًا كثيرًا إلي يومِ الدينِ.
أمَّا بعدُ …..فأوصيكُم ونفسِي أيُّها الأخيارُ بتقوَى العزيزِ الغفارِ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (أل عمران :102
عِبَادَ اللهِ:(( طلاقةُ القدرةِ الإلهيةِ في العطاءِ والمنعِ ((عنوانُ وزارتِنَا وعنوانُ خطبتِنَا
أولًا: اللهُ ربِّي لا أريدُ سواهُ .
ثانيــًــا : الدنيا عطاءٌ ومنعٌ وابتلاءٌ واختبارٌ .
ثالثـــًـا وأخيرًا: ويبقَى الأملُ مادامتْ الحياةُ.
أيُّها السادةُ: بدايةً ما أحوجَنَا في هذه الدقائقِ المعدودةِ إلي أنْ يكونَ حديثُنَا عن طلاقةِ القدرةِ الإلهيةِ في العطاءِ والمنعِ وخاصةً ونحن نعيشُ زمانًا انتشرَ فيه الفتنُ والابتلاءاتُ، والأحداثُ والتداعياتُ، والصراعَاتُ والجولاتُ، والاستفزازاتُ والتحدياتُ.. نغرقُ في قراءةِ الأحداثِ، وتشغلنَا التحليلات، وننسَى قولَ خالِقِنَا جلَّ جلاله ))لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا[الطلاق:1
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة
أولًا: اللهُ ربِّي لا أريدُ سواهُ .
أيُّها السادة: اللهُ جلَّ جلالُه وتقدستْ أسماؤُه قادرٌ على كلِّ شيءٍ، مقتدرٌ سبحانَهُ لا يعجزهُ شيءٌ في الأرضِ ولا في السماءِ قال جلَّ وعلا ((اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاَطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً))الطلاق:12.قال جلَّ وعلا ((وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ)) الأنعام 18
وجَاءَ حَبْرٌ مِنَ الأحْبَارِ كما في حديثِ ابنِ، مسعودٍ رضى اللهُ عنه إلى رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فَقالَ: يا مُحَمَّدٌ، إنَّا نَجِدُ: أنَّ اللَّهَ يَجْعَلُ السَّمَوَاتِ علَى إصْبَعٍ، والأرَضِينَ علَى إصْبَعٍ، والشَّجَرَ علَى إصْبَعٍ، والمَاءَ والثَّرَى علَى إصْبَعٍ، وسَائِرَ الخَلَائِقِ علَى إصْبَعٍ، فيَقولُ: أنَا المَلِكُ، فَضَحِكَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ تَصْدِيقًا لِقَوْلِ الحَبْرِ، ثُمَّ قَرَأَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر: 67رواه البخاري، وعن أبي مُوسى الأشعري رَضيَ اللهُ عنه قال قامَ فينَا رسولُ اللهِ – صلَّى اللهُ عليه وسلَّم – بخمسِ كلماتٍ : قال : إنَّ اللهَ لا ينامُ ، ولا ينبغي له أن ينامَ ، ولكن يخفضُ القسطَ ويرفعُه ، يُرفعُ إليه عملُ اللَّيلِ قبلَ عملِ النَّهارِ ، وعملُ النَّهارِ قبلَ عملِ اللَّيلِ ، حجابُه النُّورُ ، لو كشفَهَا لأحرقتْ سبُحاتُ وجهِهِ ما انتهَى إليه بصرُه مِن خلقِه)رواه ابن خزيمة في صحيحه، فالنفحاتُ الربانيةُ، والرحماتُ الإلهيةُ بيدِه سبحانه ، فتجد في كلِّ تقديرٍ تيسيرًا، ومع كلِّ قضاءٍ رحمةً، ومع كلِّ بلاءٍ حكمةً، فإنْ كان اللهُ قد أخذَ منك فقد أبقَى، وإنْ منعَ فلطالمَا أعطَى، وإنْ ابتلاكَ فكثيرًا ما عافَاك، وإنْ أحزنَك يومًا فقد أفرحَك أيامًا وأعوامًا ، لو فتحَ سبحانَهُ بابَ رحمتهِ لأحدٍ مِن خلقِه، فسيجدهَا في كلِّ شيءٍ، وفي كلِّ موضعٍ، وفي كلِّ حالٍ، وفي كلِّ مكانٍ، وفي كلِّ زمانٍ، فرحمتُهُ وسعتْ كلَّ شيءٍ، كمَا أنَّه لا مُمسكُ لرحمتِهِ، قالَ ربُّنَا ))مَا يَفْتَحْ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم) (فاطر:2( فهو سبحانَهُ كما قال جلَّ جلالُه (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْن) سورة الرحمن: 29فيجبرُ كسيرًا، ويعافِي مبتلَى، ويشفِي مريضًا، ويغيثُ ملهوفًا، ويُجيبُ داعيًا، ويُعطِي سائلًا، ويُفرِّجُ كربًا، ويزيلُ حزنًا، ويكشفُ همًّا وغمًّا. فكم مِن مريضٍ جبرَ اللهُ خاطرَهُ فشفاهُ!! وكم مِن فقيرٍ جبرَ اللهُ خاطرَهُ فأغناهُ !! وكم مِن مكروبٍ جبرَ اللهُ خاطرَهُ ففرّجَ عنه كربَهُ !!كَم مِن ضِيقٍ مَرَّ بالنَّاسِ ولَم يَكشِفْهُ إلَّا اللهُ؟! وكَم مِن بَأْسٍ نَزَلَ بِهم ولَم يَرْفَعْهُ إلَّا اللهُ؟! وكَمْ مِن بَلاءٍ أَلَمَّ بِهِمْ ولَمْ يُفَرِّجْهُ إلَّا اللهُ؟!﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾(سورة النمل : 62).اللهُ اسمٌ لصاحبهِ كلُّ جلالٍ، اللهُ اسمٌ لصاحبهِ كلُّ جمالٍ، اللهُ اسمٌ لصاحبهِ كلُّ كمالٍ، اللهُ هو الاسمُ الذي ما ذُكِرَ في قليلٍ إلًّا كثَّرَهُ، اللهُ هو الاسمُ الذي ما ذُكِرَ عندَ خوفٍ إلًّا أمنَّه، اللهُ هو الاسمُ الذي ما ذُكِرَ عندَ كربٍ إلَّا فرَّجَه، اللهُ هو الاسمُ الذي ما ذُكِرَ عند همٍّ إلَّا كشفَهُ، اللهُ هو الاسمُ الذي ما ذُكِرَ عندَ ضيقٍ إلَّا وسَّعَهُ ، اللهُ هو الاسمُ الذي ما تعلّقَ بهِ فقيرٌ إلَّا أغنَاهُ، اللهُ هو الاسمُ الذي ما تعلَّقَ بهِ مريضٌ إلَّا شفَاهُ، اللهُ هو الاسمُ الذي ما تعلَّقَ بهِ مُضطرٌ إلَّا نصرَهُ وأواهُ، اللهُ هو الاسمُ الذي تُستمطرُ به الرحماتُ، اللهُ هو الاسمُ الذي تُستنزلُ بهِ البركاتُ، اللهُ هو الاسمُ الذي تُستجلبُ به الحسناتُ، اللهُ هو الاسمُ الذي تُدفعُ به السيئاتُ، اللهُ هو الاسمُ الذي تُقَالُ به العثراتُ، اللهُ هو الاسمُ الذي قامَتْ به الأرضُ والسماواتُ، اللهُ هو الذي لا تراهُ العيونٌ ولا يصفُه الواصفون يعلمُ مثاقيلَ الجبالِ ومكايلَ البحارِ وعددَ قطرِ الأمطارِ وعددَ ورقِ الأشجارِ وعددَ ما أشرقَ علي الليلِ وأصبحَ عليه النهار.
اللهُ رَبّـي لَا أُرِيْـدُ سِـــوَاهُ *** هَلْ فِي الوُجُــوْدِ خالق إلَّا هو!!
الشَّمْسُ وَالْبَدْرُ مِنْ آيـَاتِ قُدْرَتِهِ***وَالْبَرُّ وَالْبَحْرُ فَيْضٌ مِنْ عَطَايَـاهُ
الطَّيْرُ سَبَّـحَهُ ، وَالْوَحْشُ مَجَّدَه***وَالْمَوْجُ كَبَّرَهُ ، وَالْحُوتُ نَاجَاهُ
وَالنَّمْلُ تَحْتَ الصُّخُورِ الصُّمِّ قَدَّسَهُ*** وَالنَّحْلُ يَهْتِفُ حَمْدًا فِي خَلايَاهُ
وَالنَّاسُ يَعْصُونَهُ جَهْرًا ؛ فَيَسْتُرُهُمْ ***وَالْعَبْدُ يَنْسَى وَرَبِّي لَيْسَ يَنْسَاهُ
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة
ثانيــًــا : الدنيا عطاءٌ ومنعٌ وابتلاءٌ واختبارٌ .
أيُّها السادةُ: اعلموا أنَّ العطاءَ والمنعَ والنفعَ والضرَّ بيدِ اللهِ قالَ جلَّ وعلا (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) [سورة يونس (107)، بل قالَ النبيُّ المختارُ ﷺ كما في حديثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ ) رواه الترمذي، واعلمّوا أنَّ العطاءَ والمنعَ الدنيويَّ لا يُبنَى عليه معيارُ محبةِ اللهِ عبدَه أو بغضِه له، وإنَّما يُعرفُ ذلك الحبُّ والبغضُ بالعطاءِ الدينيِّ ومنعِه، كما قال جلَّ علا: ﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلَّا ﴾ الفجر: 15 – 17، ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ الحجرات: 13، وقال النبيُّ ﷺ: ((إنَّ اللهَ يُعطي الدنيا من يحبُّ ومن لا يحبُّ، ولا يعطي الإيمانَ إلا من يحبُّ))؛ رواه أحمدُ وصححه الحاكمُ.بل إنَّ منعَ اللهِ قَدَرٌ مُحْكَمٌ قد جرى به القلمُ قبلَ خلْقِ الخليقةِ؛ فلا مُعطيَ لِمَا مَنَعَ وإنْ اجتمعَ على الإعطاءِ كلُّ الخلقِ وكان بعضُهم لبعضٍ ظهيرًا، وقد كان النبيُّ يثبتُ هذه العقيدةَ في قلوبِ أمَّتِه مذكِّرًا بها كلَّ صلاةٍ بعد رفعِه مِن ركوعِه وبعدَ فراغِه مِن صلاتِه، قائلًا – كما في صحيح البخاري -: ((اللهمَّ لا مانعَ لما أعطيتَ، ولا مُعطيَ لما منعتَ)) واعلموا أنَّ هذا المنعَ الربانيَّ عطاءٌ وفضلٌ وكرمٌ مِن وجهٍ لا يبصرُه إلّا مَن فَقُهَ عن اللهِ أمرَه، وارتوتْ نفسُه بالرضا بقضاءِ اللهِ وقدرِه، قال جلَّ وعلا: ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216 وصدقَ النبيُّ المختارُ ﷺ إذ يقولُ كما في حديثِ صهيبٍ الرومِي رضى اللهُ عنه وأرضاهُ قال قالَ النبيُّ ﷺ (( عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له(( رواه مسلم، وروى الإمامُ أحمدُ في مسندِه أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ الصَّلَاحُ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءَاً يُجْزَ بِهِ﴾؟ فَكُلَّ سُوءٍ عَمِلْنَا جُزِينَا بِهِ.فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «غَفَرَ اللهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ، أَلَسْتَ تَمْرَضُ؟ أَلَسْتَ تَنْصَبُ؟ أَلَسْتَ تَحْزَنُ؟ أَلَسْتَ تُصِيبُكَ اللَّأْوَاءُ؟».قَالَ: بَلَى. قَالَ: «فَهُوَ مَا تُجْزَوْنَ بِهِ». قال سفيانُ الثوريُّ: “لَقِيتُ أَبَا حَبِيبٍ البَدَوِيَّ، فَقَالَ لِي: يَا سُفْيَانُ، مَنْعُ اللهِ لَكَ عَطَاءٌ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَمْنَعُكَ مِنْ غَيْرِ بُخْلٍ وَلَا عَدَمٍ، وَلَكِنْ نَظَرًا لَكَ وَاخْتِبَارًا“.
قال ابنُ عطاءِ اللهِ السكندرِي رَحِمَهُ اللهُ تعالى: رُبَّمَا أعطَاكَ فمنعَكَ، و رُبَّمَا منعَكَ فأعطَاكَ، و متى فتحَ لك بابَ الفهمِ في المنعِ صارَ المنعُ عينَ العطاءِ )) فكن راضيًا بقضاءِ اللهِ وقدرهِ تسعدُ وتنعمُ في الدنيا والآخرةِ روى مسلم في صحيحه مِن حديثِ أمِّ سلمةَ رضي اللهُ عنها قالتْ سمعتُ رسولَ اللهِ ﷺ يقول :ما مِن مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ، فيَقولُ ما أمَرَهُ اللَّهُ: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 156]، اللَّهُمَّ أْجُرْنِي في مُصِيبَتِي، وأَخْلِفْ لي خَيْرًا مِنْها، إلَّا أخْلَفَ اللَّهُ له خَيْرًا مِنْها، قالَتْ: فَلَمَّا ماتَ أبو سَلَمَةَ، قُلتُ: أيُّ المُسْلِمِينَ خَيْرٌ مِن أبِي سَلَمَةَ؟ أوَّلُ بَيْتٍ هاجَرَ إلى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، ثُمَّ إنِّي قُلتُها، فأخْلَفَ اللَّهُ لي رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ)) رواه مسلم
أيُّها الحبيبُ: اعلمْ أنَّك يومَ أنْ وجدتَ في هذه الدنيا فأنتَ مبتلَي وأنت مختبرٌ،إنْ مَنَّ اللهُ عليك بالمالِ فأنت مُبتلَي ، وإنْ مَنَّ اللهُ عليك بالصحةِ فأنت مُبتلَي ، وإنْ ابتلاكَ اللهُ بالضيقِ في الرزقِ والأولادِ فأنتَ مُبتلَي مصداقًا لقولِ الحقِّ (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ) [سورة الأنبياء: 35] .فالدنيا دارُ ابتلاء ، وبوتقةُ اختبارٍ لينتبهَ كلُّ غافلٍ وليستعدَّ كلُّ ظالمٍ ولينتبهً كلُّ مسوفٍ للتوبةِ ظنًا منه أنَّه سيخلدُ وأنَّ الدنيا دارُ قرارٍ ودارُ إقامةٍ كلَّا وربّ الكعبة .فالدنيا مهما عظمتْ فهي حقيرةٌ ومهما طالتْ فهي قصيرةٌ لماذا ؟لأنَّ الليلَ مهما طالَ فلابُدَّ مِن طلوعِ الفجرِ ولأنَّ العمرَ مهما طالَ فلابُدَّ مِن دخولِ القبرِ. استمعْ إلى الكبيرِ المتعالِ وهو يصفُ لنَا حقيقةَ الدنيا، فالدنيا ما هي إلّا متاعُ الغرورِ، قالَ ربُّنَا { اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأمْوَالِ وَالأوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ } (سورة الحديد 20) فيا مَن غرّتْكَ الذنوبُ والمعاصي وشغلكَ الشيطانُ عن طاعةِ اللهِ اِعلمْ أنَّ كلَّ بكي فسيبكي وكل نعي فسينعي وكلَّ مدخورٍ سيفني وكلَّ مذكورٍ سيُنسَي ليس غير اللهِ يبقَي مَن علا فاللهُ أعلى . فالدنيا دارُ ابتلاءٍ وبوتقةُ اختبارٍ وللهِ درُّ القائل:
فإذا ابتليتَ بمحنةٍ فاصبرْ لها ……. صبرَ الكريمِ فإنَّ ذلك أسلمُ
وإذا ابتليتَ بكربةٍ فالبسْ لها …… ثوبَ السكوتِ فإنَّ ذلك أسلمُ
لا تشكونَّ إلى العبادِ فإنَّما ……… تشكُو الرحيمً إلى الذي لا يرحمُ
فالعطاءُ والمنعُ سنةٌ ربانيةٌ جاريةٌ لا تتغيرُ ولا تتبدلُ يا سادة، فقد روى البخاريُّ في صحيحهِ مِن حديثِ جندبِ بنِ عبدِ اللهِ رضي الله عنه قال: احْتَبَسَ جِبْرِيلُ علَى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالتِ امْرَأَةٌ مِن قُرَيْشٍ: أَبْطَأَ عليه شيطَانُهُ، فَنَزَلَتْ: {وَالضُّحَى واللَّيْلِ إذَا سَجَى، ما ودَّعَكَ رَبُّكَ وما قَلَى} [الضحى 1-2 رواه البخاري ألم يجدْكَ يتيماً فآواك؟ ألم تكنْ قد فقدتَ أبويكَ فحباكَ اللهُ بالقربِ وعلمَكَ واصطفاك؟ ووجدكَ ضالاًّ فهدَاك؟ فما كنتَ تدرِي ما الكتابُ ولا الإيمان .ووجدَك عائلًا فأغناك؟ ووجدَك فقيرًا لا تملكُ شيئًا حتى صرتَ إلى ما صرتَ إليه.وكذا سَيَرْفَعُ أمرَكَ وأمرَ أمتِكَ، ويُعلِى شأنَك وشأنَ أمتِكَ، وسيدينُ لكم أهلُ الأرضِ جميعاً… يا محمدٌ لا تدرِي لعلَّ اللهَ يحدثُ بعدَ ذلك أمرًا. وإبراهيمُ عليه السلامُ في بطنِ النارِ.. وهو يؤمنُ بحقيقةٍ لعلَّ اللهَ يحدثُ بعدً ذلك أمرًا.ويونسُ عليه السلامُ في بطنِ الحوتِ.. وهو يؤمنُ بحقيقةٍ لعلَّ اللهَ يحدثُ بعد ذلك أمرًا.ومُحمدٌ ﷺ في بطنِ الغارِ.. وهو يؤمنُ بحقيقةٍ لعلَّ اللهَ يحدثُ بعدَ ذلك أمرًا.فمِن رحمِ الشدةِ يأتِي الفرجُ، وفي وسطِ اللجةِ يأتِي طوقُ النجاةِ..يُعذَّبُ بلالٌ وينالُ خاتمةً عظيمةً يومَ أنْ ارتقَى الكعبةَ ليرفعَ النداءَ يومَ الفتحِ.وعُمَرُ الفاروقُ يرعَى الغنمَ لينالَ بعدهَا خاتمةً عظيمةً فيقودَ الأمةَ ويسوسهَا بالعدلِ، وما تدرِي لعلَّ اللهَ يحدثُ بعدَ ذلك أمرًا.وهي رسالةٌ جليةٌ إلى كلِّ صاحبِ همٍّ أو مرضٍ أو بلاءٍ…تذكرْ قولَهُ تعالَى: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [الأعراف: 156] وتذكرْ ﴿ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾ وتذكرْ﴿ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الأعراف: 56]وتذكرْ ﴿ اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ ﴾ [الشورى: 19]وتذكرْ ﴿ إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ﴾.
قصدتُ بابَ الرجا والناسُ قد رقدُوا *** وقمتُ أشكُو إلى مولايَ مـا أجـدُ
وقلتُ يـا أملِـى في كـلِّ نائبـةٍ يا *** مَن عليهِ لكشـفِ الضـرِّ أعتمـدُ
أشكُو إليـك أمـورًا أنـت تعلمُهَـا *** ما لِي على حملهَا صبـرٌ ولا جلـدُ
مــددتُ يدي بـالـذلِّ مفـتـقـرًا *** يـا خيرَ مَـن مُـددتْ إليـه يــدُ
فـلا تردنَّـهَـا يـا ربـِّى خائـبـةً *** فبحرُ جودٍك يروِى كلَّ مَـن يـردُ
أقولُ قولِي هذا واستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم
الخطبةُ الثانية الحمدُ للهِ ولا حمدَ إلّا لهُ وبسمِ اللهِ ولا يُستعانُ إلّا بهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ …………………… وبعدُ
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة
ثالثـــًـا وأخيرًا: ويبقَى الأملُ مادامتْ الحياةُ.
أيُّها السادةُ: ويبقَى الأملُ مادامتْ الحياةُ، فسوفَ يبدلُ الحالُ، وتهدأُ النفسُ، وينشرحُ الصدرُ، ويسهلُ الأمرُ، وتحلُّ العقدُ وتنفرجُ الأزمةُ قالَ جلَّ وعلا ((لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا)[الطلاق:1]، (فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ)[المائدة:52]، فلا تغضبْ، ولا تنزعجْ، ولا تتشاءمْ فكلُّ لحظةِ ألمٍ، وكلُّ أزمةٍ لا بدَّ أنْ تنفرجَ بتوفيقِ اللهِ، وكلُّ خسارةٍ لا بدَّ أنْ تُعوّضَ إذا توكّلتَ على اللهِ ورضيتَ بقضائهِ وقدرهِ، فالدنيا حافلةٌ بالأملِ والألمِ، وبالمكسبِ والخسارةِ، وبالفرحِ والغضبِ، وبالعطاءِ والمنعِ ليس هناك سعادةٌ دائمةٌ، وليس هناك شقاءٌ مستمرٌ، ونصوصُ القرآنِ تضمنتْ ))إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا)[الشرح:5]، و((سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا)[الطلاق:7]. إذا ضاقَ الأمرُ اتسعَ، وإذا اشتدَّ الحبلُ انقطعَ، وإذا اشتدَّ الظلامُ بدأَ الفجرُ وسطعَ، سنةٌ ماضيةٌ، يا مَن بكى مِن ألمهِ ومرضهِ وكدهِ، يا مَن بالغتْ الشدائدُ في ردِّه وصدِّه، عسى اللهُ أنْ يأتيِ بالفتحِ أو أمرٍ مِن عندِه، سهل أمركَ وأراحَ فكركَ، أمَا قرأتَ ((أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ))
أيُّها السادةُ: لِمَن تشكُوا إذا اعتراكَ حزنٌ أو ألمَّ بك مرضٌ وإذا نزلتْ بك بليلةٌ أو أحلتْ عليك مصيبةٌ أتشكُوا ربَّ العبادِ للعبادِ!!! أتشكُوا خالقَ العبادِ إلى العبادِ!!! أتشكُوا الكبيرَ المتعال إلى العبدِ المحتاج !! أتشكُوا رزاقً العبادِ إلى الجماد!!! أتشكُوا الرحمنَ الرحيمَ إلى العبادِ !!!يعقوبُ عليه السلامُ لَمَّا ألمَّ بهِ الحزنُ لفقدِ يوسفَ عليه السلام قال { قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ (13) }بكَي على فراقِ يوسفَ حتى عميَ بصرُهُ فقالَ ربُّنَا ( وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ) [سورة يوسف: 84] بِمَ استعانَ على حزنِهِ؟ هل استعانَ بأحدٍ غيرِ اللهِ ..كلَّا لكنَّه استعانَ باللهِ الواحدِ الأحدِ الوترِ الصمدِ فقالَ ربُّنَا (قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (18)
فإذا ألَمَّ بك حزنٌ فلا تحزنْ وتوجَّه إلى مولاكَ داعيًا إياهُ في الشدةِ والرخاءِ في السراءِ والضراءِ
أسمعتُم عن ذلكم الرجلِ الذي كان مشلولًا ولا يستطيعُ الحركةَ وأرادَ أنْ يحجَّ بيتَ اللهِ الحرام، فتعجبَ الأولادُ، يا أبانَا كيف ذلك ؟وأنت مريضٌ لا تستطيعُ الحركةَ فألحَّ عليهم الوالدُ المريضُ وسافرَ للحجِّ وجلسَ أمامَ الكعبةِ على كرسيهِ المتحركِ وأخذَ يقولُ واللهِ يا ربِّ ما أنا خارجٌ مِن بيتِكَ إلّا على رجلِي أو على الأعناقِ على ظهرِي واللهِ واللهِ ما أنا خارجٌ مِن بيتِكَ إلَّا على رجلِي أو على الأعناقِ على ظهرِي، ونامَ الرجلّ لحظاتٍ ويأتِي إليه في المنامِ قُم وامشِي وتحركْ فقامَ الرجلُ وتحركَ خطوةً بل خطوتينِ فقالَ بأعلَى صوتهِ واللهِ يا ربِّ ما خابَ مَن التجأَ إليكَ واللهِ يا ربِّ ما خابَ مَن التجأَ إليك، فهل توكلَ عليه أحدٌ يومًا فخيبَهُ؟ وهل سألَهُ أحدٌ يومًا ولم يعطهِ سؤلَهُ ؟وهل فوضَ أحدٌ إليهِ الأمرَ فضيعَهُ؟ كلًّا واللهِ مَن توكلَ على اللهِ كفاهُ، ومَن سألَهُ أعطاهُ، ومَن فوّضَ إليهِ الأمرَ هداهُ .لا تحزنْ إذا كان اللهُ معكَ فإنَّ مع العسرِ يُسرًا، وبعدَ الضيقِ فرجٌ، وبعدَ الحزنِ فرحٌ، وبعدَ الخوفِ آمنٌ، وبعدَ الفراغِ سكينةٌ، فالبحرُ لم يغرقْ كليمَ اللهِ مُوسي؛ لأنَّه قالِ (كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ) [سورة الشعراء: 61-62]والنارُ لم تحرقْ إبراهيمَ؛ لأنَّه توكلَ على اللهِ وحدَهُ فقال حسبُنَا اللهُ ونعمَ الوكيل.
والمصطفَي ﷺ لم يصلْ إليه المشركون في الغارِ؛ لأنَّهُ قال( إِلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) [سورة التوبة
لا تحزنْ ما دامَ لك قلبٌ يذكرُه، ولسانٌ يشكرهُ لا تحزنْ ..لأنَّ الحزنَ يحولُ حياتَك مِن سعادةٍ إلى شقاءٍ ومِن حبٍّ إلى بغضٍ. أتحزنُ لفواتِ منصبٍ مرموقٍ؟ أم لصفقةٍ كبيرةٍ؟ أم تحزنُ على فواتِ مالٍ كثيرٍ؟ فكيف لو خيرتَ بينَ مالٍ كثيرٍ ومنصبٍ كبيرٍ وبينَ نفسٍ راضيةٍ فلِمَ الحزنُ يا سادة؟ هل أنت حزينٌ لأنَّه ليس عندَك سيارة؟ فغيرُكَ مبتورُ القدمين، هل أنت حزينٌ لأنَّ ولدَك قد ماتَ في حادثٍ؟ فلقد ماتتْ أسرةٌ بأكملِهَا في حادثٍ واحدٍ، هل أنت حزينٌ لأنَّ بيتَكَ ضيقٌ؟ فغيرُكَ ينامُ على الترابِ.
هل أنتَ حزينٌ لأنَّه لا ولدَ لك ؟ فغيرُك له ولدٌ ويؤذِيه، هل أنت حزينٌ لأنَّك لست متزوجًا؟ فغيرُك متزوجٌ وغير سعيدٍ، هل أنت حزينٌ لضعفِ الأمةِ؟ فدولةُ الباطلِ ساعة، ودولةُ الحقِّ إلى قيامِ الساعةِ.
لا تحزنْ: إنْ أذنبتَ فتبْ .. وإنْ أسأتَ فاستغفرْ .. وإنْ أخطأتَ فأصلحْ .. فالرحمةُ واسعةٌ .. والبابُ مفتوحٌ .. والغفرانُ جمٌّ .. والتوبةُ مقبولةٌ .. لا تحزنْ لأنَّ الحزنَ يقبضُ له القلبُ، ويعبسُ له الوجهُ، وتنطفئُ منه الروحُ، ويتلاشَى معه الأملُ لا تحزنْ لأنَّ الحزنَ يسرُّ العدو، ويغيظُ الصديقَ ويُشمتُ بك الحاسدَ، ويغيِّرُ عليك الحقائق، لا تحزنْ لأنَّ الحزنَ لا يردُّ مفقودًا، ولا يبعثُ ميتًا، ولا يردُّ قدرًا، ولا يجلبُ نفعًا، لا تحزنْ إنْ كنتَ فقيرًا فغيرُكَ محبوسٌ في دَيْنٍ، وإنْ كنتَ تشكُو مِن آلامٍ فالآخرون يرقدونَ على الأسرةِ البيضاءِ، وإنْ فقدتَ ولدًا فهناكَ مَن فقَدَ عددًا مِن الأولادِ في حادثٍ واحدٍ
ولربَّ نازلةٍ يضيقُ بها الفتى *** ذرعًا وعندَ اللهِ منها المخرَجُ
ضاقتْ فلما استحكمتْ حلقاتُهَا *** فٌرِجَتْ وكان يظنُّهَا لا تُفرجُ
لا تحزنْ على ما فاتَكَ ، فإنَّه عندك نعمٌ كثيرةٌ ، فكِّرْ في نعمِ اللهِ الجليلةِ، وفي أياديهِ الجزيلةِ، واشكرْهُ على هذه النعمِ، قال تعالى (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ الله لا تُحْصُوهَا) سورة إبراهيم: 34، لا تحزنْ وأكثرْ مِن الاستغفارِ ، فإنَّ ربَّك غفّارٌ { فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا } لا تحزنْ فإنَّ المرضَ يزولُ ، والذنبَ يُغفرُ، والدَّيْنَ يُقضَى ، والمحبوسَ يُفكُّ، والغائبَ يَقدمُ، والعاصي يتوبُ، والفقيرَ يَغتنِي، لا تحزنْ ولا تراقبْ تصرفاتِ الناسِ فإنَّهم لا يملكونَ ضرًّا ولا نفعًا، ولا موتًا ولا حياةً ولا نشورًا ولا ثوابًا ولا عقابًا .كيف تحزنْ وربُّك الرحمنُ الرحيم؟ كيف تحزنْ وأنت مِن أهلِ التوحيدِ؟ كيف تحزنْ وأنتَ مِن أتباعِ النبيِّ الأمينِ؟ كيف تحزنْ ودستورُكً القرآنُ ونبيُّك المصطفَي العدنانُ ؟ كيف تحزنْ ولك أخوةٌ موحدين يدعونَ لك بظهرِ الغيبِ؟ إنْ أسأتَ فتبْ وإنْ أخطأتَ فاستغفرْ، وإنْ ابتليتَ فاصبرْ، وإنْ وسعَ عليك فاشكرْ.
اصبرْ لدهرٍ نالَ منكَ فهكذا مضتْ الدهورُ ***فرحًا وحزنًا مرةً لا الحزنُ دامَ ولا السرورُ.
يزولُ الحزنُ إذا علمتَ كلمَا ضاقتْ اتسعتْ، واعلمْ أنَّ الفرجَ آتٍ فجالبُ النفعِ ودافعُ الضرِّ هو اللهُ، وللهِ درُّ القائل
كُن عَن هُمُومِكَ مُعْرِضًا *** وَدَع الأُمُورَ إِلَى القَضَا
وَانعَم بِطُولِ سَلَامَةٍ *** تُسْلِيكَ عَمَّا قَدْ مَضَى
فَلَرُبَّمَا اتَّسَعَ المَضِيقُ *** وَ لَرُبَّمَا ضَاقَ الفَضَا
اللهُ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ *** فَلَا تَكُن مُتَعَرِّضَا
حفظَ اللهُ مصرَ قيادةً وشعبًا مِن كيدِ الكائدين، وشرِّ الفاسدين وحقدِ الحاقدين، ومكرِ الـماكرين، واعتداءِ الـمعتدين، وإرجافِ الـمُرجفين، وخيانةِ الخائنين.
كتبه العبد الفقير إلى عفو ربه
د/ محمد حرز إمام بوزارة الأوقاف
_______________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف